التصريحات التفصيلية للأمين العام للجماعة في اجتماع الهیأت التنفيذية المركزية بحضور المسؤولين في المحافظات
أكد الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بيراني، الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح، في اجتماع عقدته مؤخرا الهیأت التنفيذية المركزية مع المسؤولين الإقليميين لهذه المنظمة المدنية، أنه لا يوجد خيار آخر لإصلاح المجتمع سوى تنشئة أشخاص واعين ومسؤولين ومتعاطفين مع احتياجات العصر.
وفيما يلي النص المكتوب لكلمة الأستاذ بيراني:
بسم الله الرحمن الرحیم
دعوني أبدأ كلمتي مستلهمًا من آية 104 من سورة آل عمران المباركة، حيث يأمر العليم الحكيم:
«وَلْتَکنْ مِنْکمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکرِ وَأُولَئِک هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ﴿۱۰۴﴾ .
كلمة (خير) في آية "کنتم خَيْرَ أُمَّةٍ.." تشمل كل ما فيه صلاح الدنيا والآخرة.
ومن البديهي أن القيام بهذه الفريضة المهمة والأساسية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه الصحيح، والتي تتحدث عن المحبة والنصح ونشر القيم الإنسانية والإسلامية، هو في الواقع استمرار لرسالات أنبياء الله ورسله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
لقد خلق الله الإنسان على أحسن الوجوه، وكرمه أعظم تكريم، ودعاه إلى طاعة أوامره ووصایاه، وسخر له كل ما في السماوات والأرض. لقد رفع مكانته في الکون بمنحه هبة العقل والإرادة الحرة وحرية الاختيار. لقد وضع مسؤولية نشر القيم والمحافظة على طمأنينة الحياة على عاتق أشخاص معينين. وبناء على معجزته الإلهية قال: (ولتکن مِنْكُمْ). تُستخدم كلمة "مِن" للتبعیض وهذا يعني أن بعضكم (المؤمنين) فقط سوف ينال هذه المكانة العالية والكرامة التي تمكنه من مواصلة واستمرار هذه الرسالة رسالة الأنبياء السامية.
ومما يجدر ذكره في معنى (ولتكن منكم أمة یدعون إلى الخير)، قال المفسرون:
يدعون إلى معرفة رب العالمین وفهم المنهج والخطّة التي أرسلها للبشرية؛ أو یدعون إلى تنفیذ الأوامر الإلهية وتطبيقها في الحياة وإلى إقامة صلة مبرمة مع الله تعالى، والتواصل معه بالسلام والود والمصالحة، والسعي إلى نيل رضوانه، وفي النهاية التمتع بالسعادة والتوفيق والفلاح يوم القيامة، كما في قوله تعالى: (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز). وقد قال بعض العلماء في معنى (ويأمرون بالمعروف): إنها تعني الدعوة إلى كل ما يليق بمكانة الإنسان خليفة الله وممثله في الأرض أي رعاية إخوانهم من البشر والسعي إلى الإحسان إليهم والرحمة بهم وخدمتهم، والقیام بتخفيف آلامهم ومعاناتهم وتسهيل التغلب على مشاكل الحياة ومصاعبها وخلق أسس للوئام والتضامن والإيثار والتعاون، التي هي أساس للحياة الجماعية البشریة وهي قضیة محورية وجوهرية للغاية.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية بعثة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة، كانت البشرية جمعاء، بغض النظر عن دينها أو معتقدها أو مذهبها، أمة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم). ويوضح أن الذين تشرفوا بقبول دين الإسلام يسمون أمة الاستجابة (المسلمين)، وأن كل من لم ینجح لأي سبب من الأسباب في قبول هذا الدين واتباع تعاليمه السامية يسمون أمة الدعوة.
والأصل أن تعرض لهم رسالة الدين بطريقة منطقية، مع الحفاظ على كرامتهم الأصيلة وحقهم في حرية الاختيار، خالية من أي خوف أو ترهيب. وعلى هذا الأساس فإن واجب الأمة، أي الأمة المسلمة، ورسالتها هي: أن تستغل كل إمكانيات عصرها وفرصها وأدواتها استغلالاً حكيماً للتعبير عن تعاليم وأسس هذا الدين المبین وقيمه الأخلاقية الرفيعة ، وأن تضرب أمثلة عملية لقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وأن تكون من الذين يستمعون للأمر الإلهي الخالد: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (الأنفال: 24) وأن يستجيبوا لدعوة ربهم بوعي وإخلاص ويضعوا وصیة رب العالمين في مقدمة حياتهم الدنيوية.
لأن العامل الأساسي لخير الأمة وكونها أفضل الأمم هو في الحقيقة حفظ وتقوية روح البر والعمل الصالح وحسن أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تؤكد آية 143 من سورة البقرة المباركة هذه المهمة الثمينة فتقول: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) (البقرة: 143).
الأمة الوسطى: أي الذين يتوسطون بين الخالق والمخلوق
ولذلك فإن المسؤوليات المتنوعة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، بما يتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم وطاقاتهم، تقع دائماً على عاتق أهل الإيمان، وخاصة الحركات والتيارات والمنظمات الإسلامية، التي تستحق أن تقوم بواجباتها ورسالتها على أكمل وجه، وفي حدود قدراتها وحاجات المجتمع المستهدف.
ومن الواضح أن نصوص القرآن الكريم تخاطب كل زمان ومكان وظروف، وليست خاصة بمناسبة نزلت لها في جزيرة العرب وعصر النبي الکریم (صلى الله عليه وسلم) فقط وإن كانت بعض آياته قد نزلت لقضايا محددة في مجتمع خاتم النبيين (صلى الله عليه وسلم). ولكن في الوقت نفسه فإن هذه الآيات تسعى إلى فتح طريق نحو المجتمع الإنساني والأجيال القادمة ولا ينبغي أن يقتصر الأمر على مصادیق شأن نزوله الأول، وهذا هو مقتضی عالمیة وأبدية هذا الدین القیم وکتابه العظیم وسنته المطهرة.
إخوتي وأخواتي الكرام! أنتم تعلمون جيداً أنه في هذه الظروف الحساسة والملتهبة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي فإن الحركات والمنظمات والتيارات الإسلامية تتحمل في آن واحد واجبين ورسالتين اساسیتین خطيرتين، وهما:
أ) القیام بحماية القيم الدينية والأخلاقية، وإعادة بناء المشاعر الإنسانية وتنميتها، وصقل الثقافة والفكر التاريخي في ضوء التعاليم الإسلامية والمستجدات والقضايا الجديدة وكذلك العمل على منع تأثر المسلمين وخاصة جيل الشباب بكل ما يتعارض مع القيم الدينية والإنسانية الرفيعة.
إن ضرورة هذا الأمر المهم تحتم علينا الاهتمام بتعليم وتمكين الأطفال والشباب والمراهقین من أجل خلق التوازن بين الحقوق والحريات الفردية والمصالح والمنافع العامة للمجتمع والمواطنين.
وبدون إصلاح متوازن وتمكين مناسب للأفراد والأعضاء وحضورهم الفعال ومشاركتهم البناءة في تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع المستهدف لن يتحقق الإصلاح الحقيقي. والأفراد والأعضاء الأكفاء والمتخصصين هم أساس أي تنمية مستدامة ونمو وأمن.
إنما یمکن للأفراد وأعضاء الأسرة والمجتمع الذين يتمتعون بصحة عقلية وروحية وعاطفية، فضلاً عن أولئك الذين يتمتعون بالخبرة والمهارة والرحمة، أن يستخدموا أفكارهم وآرائهم ومهاراتهم لإصلاح زملائهم من البشر ومواطنيهم وتحسين الثقافة والمجتمع؛ وعليهم أن يقوموا بأدوارهم بالتربية والوعي المسؤول والفهم الصحيح للأحداث والتطورات، والابتعاد عن خلط الأوقات والأزمنة.
ب) بذل الجهود الجماعية الهادفة والحكيمة للتأثير إيجابياً في مجرى الأحداث وتصحيح حركة الحياة ومسارها المستقبلي من التغيرات السريعة والوافرة الواسعة، مع الثقة بالنفس والتوكل على الله الحكيم العليم، والحفاظ على الديناميكية والتفكير الإيجابي والحيوية بما يتناسب مع التطورات والمتغيرات، والسعي الدؤوب لفهم الرسالة الإلهية واستنباطها وتلقي الهداية والإلهام منها بما يتناسب مع الظروف الجديدة، والنجاح في تفسير الأوامر الإلهية تفسيراً صحيحاً أفضل حتى تتجلى معجزات القرآن الكريم أكثر فأكثر مع مرور الزمن ومسار التغيرات.
وفي هذا الصدد يقول الأستاذ أحمد راشد رحمه الله: من المناسب أن نتحرك بأنفسنا لتوجيه حركة حياتنا، ولا ننتظر من الآخرين أن يتحركوا لتحريك حياتنا.
دعونا نكون نحن وأنتم المبادرين ونبدأ حركة الحياة، ولنترك الآخرين يكملون مسيرتنا، ولندع جهودنا وحركتنا الجماعية تلهم الآخرين وتوجههم.
وكما قال علماء الماضي الكبار: "الحركة برکة". الحركة الظاهرية تجلب بركات خفية وعلى هذا الأساس أمر الدين المبین بالحركة، فمثلاً أمر بالصلاة والصيام والحج وغير ذلك.
ومن الجدير بالذكر أن الفكر أحيانًا يؤدي إلى العمل، والعمل أحيانًا أخرى يؤدي إلى تعميق الفهم والإيمان والرضا القلبي.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
الآراء